اكتشف باحثون من جامعة هونغ كونغ طريقةً مُدهشةً يُمكن من خلالها لفيروس إبشتاين-بار (EBV)، وهو فيروس يحمله معظم الناس، أن يُسبب سرطان البلعوم الأنفي أي المنطقة خلف الأنف. وكشفت الدراسة كيف يُعيد فيروس إبشتاين-بار تشكيل البنية ثلاثية الأبعاد للجينوم البشري داخل الخلايا السرطانية، في اختراق قد يُقدم أملاً جديداً للعلاجات المُستهدفة.
يُصيب فيروس إبشتاين-بار أكثر من 95 بالمائة من البالغين حول العالم، وغالباً خلال فترة الطفولة، أو المراهقة، وعادةً ما يُسبب أعراضاً خفيفة، أو معدومة. ويُعرف أيضاً باسم فيروس الهربس البشري، وهو أحد أنواع فيروسات الهربس البشري التسعة الأكثر شيوعاً بين البشر.
ومع ذلك، يرتبط الفيروس ارتباطاً وثيقاً بسرطان البلعوم الأنفي البلعومي (NPC) nasopharyngeal carcinoma، وهو سرطان شائع بشكل خاص في جنوب الصين. ويُمكن للعلاجات التقليدية -بما في ذلك العلاج الإشعاعي، والعلاج الكيميائي- السيطرة على المرض. لكن انتشار السرطان لا يزال يُمثل تحدياً كبيراً، حيث يُصاب نحو 7 إلى 20 في المائه من المرضى بالورم الخبيث، ما يُقلل بشكل كبير من معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات من 80-90 في المائه إلى 20-30 في المائه فقط.
وعلى عكس الفيروسات التي تُدخل نفسها في الحمض النووي، يطفو فيروس إبشتاين-بار داخل النواة على أنه حمض نووي خارج الكروموسومات، مُنتجاً عدداً قليلاً من البروتينات، مثل EBNA1، وهو ما يسمح له بالبقاء مختبئاً عن الجهاز المناعي، مع التأثير بشكل طفيف على سلوك الخلية.
واكتشف فريق هونغ كونغ، في الدراسة المنشورة في مجلة «Nature Communications» في 4 أغسطس (آب) 2025 باستخدام تقنيات جينومية متقدمة، أن فيروس إبشتاين-بار «يلتصق» بالحمض النووي البشري، ويُعيد تنظيم بنيته ثلاثية الأبعاد، ما يؤثر على «المفاتيح» الخلوية التي تتحكم في النمو، والتهرب المناعي. ويساعد هذا التعديل الدقيق للجينوم فيروس إبشتاين-بار على البقاء على قيد الحياة، ويُحفز تطور الورم.
قد يهمك أيضًا: 10 فوائد لمضغ أوراق الجوافة يومياً على معدة فارغة
ومن خلال تحليل عينات أورام من 177 مريضاً في هونغ كونغ وكوانغتشو حدد الباحثون برئاسة ديتمان لاي شون تشونغ، من قسم الأورام السريرية بمركز طب السرطان في كلية الطب السريري جامعة هونغ كونغ، مجموعة من الجينات البشرية الرئيسة التي يُنظمها فيروس إبشتاين-بار، والمعروفة باسم علامات التوقيع الجينومي genomic signature markers، حيث تُمكّن هذه الجينات الخلايا السرطانية من التهرب من الجهاز المناعي، والانتشار بسهولة أكبر، مما يُفسر سبب انتشار بعض الأورام بشكل أسرع من غيرها.
يُعد الانتشار الخبيث السبب الرئيس للوفاة لدى مرضى البلعوم الأنفي البلعومي. ورغم فعالية العلاجات الحالية في المراحل المبكرة، فإنها غالباً ما تفشل في حالات الانتشار الخبيث، كما أنها تحمل آثاراً جانبية كبيرة.
وصرح البروفسور داي وي، من قسم الأورام السريرية بجامعة هونغ كونغ، بأن فيروس إبشتاين-بار ليس مجرد راكب سلبي، إذ إنه يُحفز السرطان بنشاط من خلال الارتباط بالجينوم، و«اختطاف» الأنظمة الخلوية.
وقد استخدم الفريق أدويةً وراثيةً، وأدوات تحرير الجينات بتقنية كريسبر (CRISPR) لتعطيل «التصاق» فيروس إبشتاين-بار بالجينوم. وقد أدى هذا النهج إلى تقليل النشاط الفيروسي، وإبطاء نمو الورم في النماذج المعملية، مما يُظهر طريقاً واعداً للعلاج.
وببساطة، يمكن للأطباء استخدام معلومات عن الجينات التي يؤثر عليها فيروس إبشتاين-بار لمعرفة المرضى الأكثر عرضة لانتشار السرطان بسرعة. ومن ثم وضع خطة علاج خاصة بكل مريض، بهدف منع السرطان من الانتشار قبل أن يتفاقم.
يخطط الباحثون لمواصلة البحث في الخطوات الدقيقة التي يتلاعب بها فيروس إبشتاين-بار بالجينوم، بهدف تطوير علاجات توقف سرطان البلعوم الأنفي البلعومي من جذوره. يُبرز هذا الاكتشاف كيف يُمكن لفيروس شائع أن يلعب دوراً فعالاً في تطور السرطان، ويفتح الباب أمام علاجات تستهدف الفيروس نفسه بدلاً من الورم فقط.

