نجح المنتخب السعودي في حسم تأهله إلى نهائيات كأس العالم 2026 بعد تعادله مع المنتخب العراقي في الملحق الآسيوي، ليؤكد حضوره الدائم بين كبار القارة الآسيوية ويكتب صفحة جديدة في سجل إنجازاته التاريخية.
وجاء تأهل المنتخب السعودي بعد مواجهة حاسمة أقيمت على ملعب مدينة الملك عبدالله الرياضية في جدة، انتهت بالتعادل الذي منح «الأخضر» بطاقة العبور بفضل تفوقه في فارق الأهداف خلال مشوار الملحق، بعد أن جمع نفس رصيد النقاط مع العراق، لكنه تميز بفاعلية هجومية أكبر وحصيلة تهديفية أفضل.
ويُعد هذا التأهل السابع في تاريخ المنتخب السعودي إلى نهائيات كأس العالم، بعدما سبق له المشاركة في نسخ 1994 و1998 و2002 و2006 و2018 و2022. ويواصل المنتخب بذلك مسيرته كأحد أكثر المنتخبات العربية والآسيوية حضورًا في المونديال، مؤكداً ثبات مستواه وتطوره المستمر في السنوات الأخيرة.
كما يعد هذا التأهل تتويجاً لمرحلة من التطور في الأداء والاستقرار الفني والإداري الذي شهده المنتخب خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد نتائجه اللافتة في مونديال قطر حين أسقط الأرجنتين في واحدة من أكبر مفاجآت البطولة.
ومع اكتمال ملامح المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026، برز الحضور العربي بقوة، إذ سجّل العرب واحدة من أعلى نسب تمثيلهم في التاريخ الحديث للمونديال، حيث تأهل حتى الآن سبعة منتخبات عربية هي: السعودية، المغرب، تونس، الجزائر، مصر، قطر والأردن إضافة إلى احتمال التحاق منتخب عربي ثامن عبر الملحق العالمي المنتظر حيث يواجه المنتخب العراقي نطيره المنتخب الإماراتي في الملحق الآسيوي المؤهل للملحق العالمي المؤهل لكأس العالم 2026 وذلك بعد تعادله مع المنتخب السعودي بنتيجة (0-0) وحلوله المركز الثاني بالمجموعة.
أما المنتخب القطري، فقد نجح في حسم تأهله إلى النهائيات بعد فوزه الثمين على منتخب الإمارات بنتيجة 2-1 في المباراة التي جمعتهما اليوم ضمن الملحق الآسيوي، ليضمن «العنابي» مشاركته الثانية في تاريخه بعد ظهوره الأول في نسخة 2022 التي استضافها على أرضه.
وجاء هذا التأهل ليؤكد استمرار تطور الكرة القطرية وقدرتها على المنافسة في المحافل الكبرى، بعدما خاض المنتخب مشوارًا قويًا في التصفيات أنهى فصوله بنجاح مستحق. وبهذا الفوز، يعود «العنابي» إلى المسرح العالمي من جديد، ممثلًا للكرة الخليجية والعربية في مونديال 2026 وسط طموحات بتقديم مشاركة أفضل هذه المرة والبناء على التجربة السابقة.
وفي السياق ذاته، حقق المنتخب الأردني إنجازًا تاريخيًا بتأهله للمرة الأولى في تاريخه، بعد مشوار استثنائي في التصفيات الآسيوية اختتمه بانتصار ثمين على منتخب عمان 3-0 ضمن الجولة الثالثة والأخيرة للتصفيات، ليضمن «النشامى» مقعده المستحق في المونديال.
ويُعد هذا الإنجاز تتويجًا لمسار طويل من التطور الذي شهدته الكرة الأردنية خلال الأعوام الأخيرة، حيث برز جيل جديد من اللاعبين الذين جمعوا بين الخبرة والطموح، بقيادة فنية مغربية نجحت في إدارة المباريات المصيرية بثقة وهدوء.
وفي القارة السمراء، عاد المنتخب المصري إلى النهائيات بعد غياب دام ثماني سنوات، ليؤكد حضوره الرابع في تاريخه بعد مشاركاته السابقة أعوام 1934 و1990 و2018. المنتخب المصري الذي يقوده جيلاً جديداً مزيجاً من الخبرة والطموح، يتطلع إلى تجاوز الدور الأول وتحقيق حضور مشرف يليق بتاريخ «الفراعنة»، أقدم المنتخبات العربية ظهوراً في كأس العالم.
تصفح أيضًا: «ناسا» تختار سماء العُلا «صورة اليوم الفلكية»
جماهير الأخضر في ملعب الجوهرة (أ.ف.ب)
أما المنتخب المغربي، فواصل كتابة التاريخ بعد تأهله ، حيث يدخل مونديال 2026 بوصفه أفضل ممثل عربي في تاريخ البطولة عقب إنجازه الأسطوري في مونديال قطر 2022، حين بلغ نصف النهائي كأول منتخب عربي وإفريقي يحقق ذلك. هذه المرة، يدخل «أسود الأطلس» التصفيات والنهائيات بثقة متزايدة، تحت قيادة المدرب وليد الركراكي، وبجهاز فني يسعى لتكرار أو ربما تجاوز إنجاز الدوحة الذي رفع سقف التطلعات عربياً وقارياً.
من جهته، المنتخب الجزائري استعاد بريقه بعد خيبة الإخفاق في تصفيات 2022، ليحجز مقعده في مونديال 2026 إثر مشوار قوي في التصفيات الإفريقية. وتأهله هذا العام يشكل المرة الخامسة في تاريخه بعد مشاركاته السابقة في نسخ 1982 و1986 و2010 و2014، علماً أنه قدم في الأخيرة أداءً لافتاً حين أجبر ألمانيا، التي توّجت لاحقاً باللقب، على خوض الأشواط الإضافية في مباراة تاريخية ما زالت محفورة في ذاكرة الجماهير العربية.
وفي السياق ذاته، واصل المنتخب التونسي حضوره المونديالي المستمر، بعدما تأهل هو الآخر إلى كأس العالم المقبلة، ليشارك للمرة السابعة في تاريخه بعد مشاركاته السابقة في أعوام 1978 و1998 و2002 و2006 و2018 و2022. ويُعد «نسور قرطاج» من أكثر المنتخبات استقراراً في القارة الإفريقية من حيث انتظام التأهل، إذ لم تغب تونس عن المونديال منذ عام 2002 سوى مرة واحدة، ما يعكس ثبات مشروعها الرياضي واستمرار تطور منظومتها الكروية.
ومع ختام تصفيات كأس العالم 2026 وازدياد عدد المنتخبات المشاركة إلى 48، ارتفع التمثيل العربي من 4 منتخبات في مونديال 2022 (قطر، السعودية، المغرب، تونس) إلى 6 منتخبات في نسخة 2026، ما يمثل ارتفاعاً نسبته نحو 50 في المائة في عدد الممثلين العرب في البطولة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المشاركة العربية. فبينما كانت المنتخبات العربية تشكل 12.5 في المائة من مجموع المشاركين في نسخة 2022 (4 من 32)، فإنها في نسخة 2026 تمثل نحو 14.5 في المائة من أصل 48 منتخباً، مع إمكانية زيادة هذه النسبة في حال تأهل منتخب عربي إضافي من خلال الملحق العالمي.
ويجسد الحضور العربي الواسع في نهائيات كأس العالم 2026 حجم التطور اللافت الذي تشهده كرة القدم العربية خلال السنوات الأخيرة، سواء على الصعيد الفني أو الإداري، نتيجة للاستثمار المتزايد في البنى التحتية والمنشآت الرياضية واعتماد أسس احترافية متكاملة، خصوصاً في السعودية وقطر اللتين أصبحتا نموذجين بارزين في الإدارة الرياضية الحديثة. كما يعكس هذا الحضور ثمرة التخطيط الاستراتيجي طويل المدى الذي بدأ يؤتي ثماره من خلال تطور مستوى المنتخبات الوطنية وازدياد قدرتها على المنافسة في المحافل القارية والعالمية.
وتُعد نسخة كأس العالم 2026، محطة استثنائية في تاريخ البطولة من حيث الحجم وعدد المشاركين، وفرصة ثمينة أمام المنتخبات العربية لتأكيد مكانتها على الساحة الدولية. فهي ليست مجرد مشاركة رمزية بقدر ما هي اختبار حقيقي لإثبات أن الكرة العربية باتت تملك المقومات الفنية والتنظيمية التي تؤهلها للمنافسة بجدية وتقديم صورة مشرقة تعكس تطورها، في سعيها لتغيير الانطباع التقليدي الذي لازم مشاركاتها السابقة والعبور إلى مرحلة جديدة من الحضور العالمي الفاعل.
ومع اقتراب صافرة البداية لصيف 2026، تتجه أنظار الجماهير حول العالم إلى النسخة المرتقبة من كأس العالم، حيث تقف المنتخبات العربية على أعتاب فرصة تاريخية لكتابة فصل جديد في مسيرة حضورها العالمي. فقد نجحت سبعة منتخبات عربية في حجز مقاعدها عن جدارة، لتمنح المشاركة العربية طابعاً غير مسبوق يجمع بين التنوع الجغرافي والطموح المشترك نحو إثبات الذات في أكبر محفل كروي على وجه الأرض.
وخلال العقود الأخيرة، أثبتت كرة القدم العربية أنها لم تعد مجرد ضيف مؤقت على المشهد الدولي، بل أصبحت جزءاً أصيلاً من النسيج الكروي العالمي، بمنتخبات تملك شخصية واضحة، وبتطور فني وتنظيمي جعلها قادرة على مجاراة الكبار. فالتجارب المتتالية، من الإنجاز التاريخي للمغرب في مونديال قطر إلى العروض اللافتة للمنتخب السعودي أمام كبار المنتخبات، رسّخت قناعة راسخة بأن العرب قادرون على المنافسة الحقيقية حين تتوفر لهم البيئة المناسبة والإعداد المتكامل والروح الجماعية التي طالما ميّزت حضورهم.
ومع توسّع البطولة لتضم 48 منتخباً للمرة الأولى في التاريخ، تتجدد الآمال بأن تكون نسخة 2026 نقطة تحوّل مفصلية في مسيرة المنتخبات العربية، لا كمجرد مشاركة رمزية، بل كمنافسة فعلية على المراكز المتقدمة وكتابة حضور مؤثر على المستويين الفني والمعنوي. وبين طموحات المنتخبات الآسيوية والإفريقية وروح التحدي التي يحملها اللاعبون العرب داخل القارة وخارجها، تمتد خريطة الأمل من الخليج إلى المحيط، بأن يكون للعرب صوتٌ ورايةٌ في أكبر مسرح كروي عرفه العالم.

