الرئيسية الثقافة والتاريخ نقاد سعوديون في «كتارا» يستعرضون سيرة القصيبي الذي انحاز للمهمشين

نقاد سعوديون في «كتارا» يستعرضون سيرة القصيبي الذي انحاز للمهمشين

0

في قراءتهم لسيرة الأديب والدبلوماسي السعودي الراحل الدكتور غازي القصيبي، وتجربته الإبداعية والإدارية، أجمع ثلاثة من النقاد السعوديين على أن القصيبي كان شخصية «استثنائية» صنعت حضورها الرمزي من خلال انحيازها إلى القضايا الإنسانية ودفاعها عن قضايا المهمشين.

أُقيمت ندوة «غازي القصيبي… الشخصية والتجربة الإبداعية»، ضمن فعاليات مهرجان «كتارا» للرواية العربية المقام حالياً في الحيّ الثقافي في العاصمة القطرية الدوحة، وذلك بمناسبة الاحتفاء بالرواية السعودية كـ«ضيف شرف» الدورة الحالية للجائزة، واختيار الأديب والدبلوماسي الراحل غازي القصيبي «شخصية العام».

تناولت الندوة تجربة القصيبي الأدبية الموزعة بين الشعر والرواية، وشارك فيها عدد من الأكاديميين والنقاد السعوديين، وهم: الدكتور معجب الزهراني، والدكتور سعيد السريحي، والدكتور محمد الصفراني، وأدارها محمد بودي.

في هذه الندوة، قدم الدكتور معجب الزهراني ورقة بعنوان: «غازي القصيبي ونموذج المثقف الرمز»، استعرض خلالها شخصية القصيبي المتنازع بين الإبداع الأدبي والإدارة والدبلوماسية على مدى نصف قرن.

وتحدث الدكتور الزهراني عن العلاقة التي ربطته بغازي القصيبي، قائلاً: «إن علاقتي مع هذا المثقف الرمز والشخصية الاستثنائية بدأت منذ الزمالة في جامعة الملك سعود بالرياض، حيث أصدر وقتها ديوانه المثير للجدل (معركة بلا راية) الذي لاقى معارضة شديدة من التيار المحافظ. ثم عُيّن القصيبي عميداً لكلية التجارة 1971، بعدها تدرّج في المناصب الحكومية؛ مديراً للمؤسسة العامة للسكك الحديدية 1973، ووزيراً للصناعة والكهرباء 1976، ثم وزيراً للصحة 1982، حتى تعيينه سفيراً لبلاده في البحرين 1984، ثم سفيراً لدى بريطانيا 1992، حتى عودته للوزارة من جديد؛ وزيراً للمياه والكهرباء 2003، ثم وزيراً للعمل 2005».

المتحدثون في ندوة القصيبي في «كتارا»: د. معجب الزهراني ود. سعيد السريحي، ود. محمد الصفراني وأدارها محمد بودي

يضيف الزهراني أن الرواية الأولى للقصيبي كانت «شقة الحرية» في عام 1994، وكنا نرى أن هذه الرواية «سيكون لها ما بعدها»، فقد «كانت هذه الرواية علامة تحوّل في مسيرة القصيبي الأدبية، كما في مسار الرواية السعودية».

يضيف الزهراني أن القصيبي سرعان ما أصدر روايته الثانية «العصفورية» 1996، وهي رواية ساخرة لا تقل قوة عن سابقتها «شقة الحرية»، فقد «حدث للقصيبي طفرة أدبية، وفوجئ المشهد الثقافي بالشفافية الهائلة التي يتمتع بها، وهو يتحدث عن الشخصيات، ففي رواية (العصفورية) لم تبقَ فئة من شرائح المجتمع إلا ووضعها تحت مشرحة النقد».

وبرأي الزهراني، فإن عنصر التميّز في شخصية الراحل القصيبي أنه كان «يحمل قضية، ولديه الوعي النقدي»، حيث: «لا يصبح للمثقف قيمة إلا إذا امتلك الوعي النقدي».

ويواصل الزهراني سرد علاقته بالقصيبي، قائلاً: «حين عُينت في جامعة اليمامة دشنتُ كرسي القصيبي الذي لقي استجابة واسعة، وتمكن أن يجمع 6 ملايين ريال».

ويشير إلى الجانب الإنساني في حياة القصيبي الذي «كان يحوّل رواتبه على مدى عمله الطويل في الحكومة لجمعية المعاقين»، فقد كان دوماً «منحازاً للمهمشين، ومكافحاً للروح القبلية، ومناصراً للمرأة، وساعياً لتمكين الشباب من العمل، ولذلك تحوّل إلى ما يسمى الرمز».

حتى موهبته الأدبية كانت تحمل سرّ تميزها من القصيبي نفسه، ففي مقابلة معه، قال القصيبي إن موهبته «متوسطة جداً» في كلٍّ من الشعر والرواية والفكر، ويضيف الزهراني: «إن عبقرية القصيبي جعلت من كل هذا (المتوسط) علامة فارقة في العطاء الإبداعي، حتى أصبح الكثير يسعى لتقليده ومحاكاته».

ويضيف الزهراني: «ليس كل نموذج ناجح يتحول إلى رمز… فرمزية القصيبي لا أحيلها إلى العبقرية، بل إن هناك عاملين أساسيين، هما: وجود وعي عميق ومتسع إنسانياً، وكونه صاحب قضايا يتفاعل مع الإنسان ومسكون بالإنسان البسيط، مثل: المرأة، والعاطلين عن العمل»، مضيفاً أن القصيبي رغم أنه نشأ في طبقة أرستقراطية فإنه ظلّ منحازاً للهامش، في أعماله الإبداعية كما في سيرته الإدارية.

توزعت سيرة غازي القصيبي بين الإبداع الأدبي والإدارة والدبلوماسية على مدى نصف قرن

نوصي بقراءة: شاشة الناقد: أنيميشن جديد من وحي «سيد الخواتم» وعدو سبايدر مان الذي بات بطلاً

وقدم الدكتور سعيد السريحي ورقة بعنوان: «الرواية باعتبارها قناعاً لدى القصيبي»، تناول فيها بعض روايات غازي القصيبي بالتحليل والنقد.

وقال السريحي: «إننا نظلم غازي القصيبي إذا نظرنا إليه بوصفه روائياً أو شاعراً فحسب، أو حتى سفيراً أو أكاديمياً، لأن تلك الهالة التي تحيط بالقصيبي ما تبرح أن تفيض عن الصورة التي نرسمها لهذه الشخصية».

وقال السريحي إن مهمة الناقد تحرير أعمال القصيبي من القصيبي، فمن شأن تحرير أعمال القصيبي أن يطلقها إشارة حرة قابلة للتأويل.

ويرى السريحي أن الشعر كان معركة القصيبي الأولى، فهو لم يكن حريصاً على المكاسب التي حققها في ميدان الإدارة، وقد اضطر لخسارتها مرتين بسبب الشعر؛ فمرة خسر (الوزارة) ومرّة خسر (السفارة)، فالشعر كان خط التماس الذي يتصل بشخصية القصيبي.

لكن القصيبي في مرحلة لاحقة اكتشف السرد الذي يوفر له فرصة المواجهة والمواربة، كما يوفر له حضوراً لدى فئات في المجتمع لم يسعها الشعر، ومن خلال السرد وسع دائرة قرائه والمتأثرين بما يقول، وكمنت الخبرة لدى القصيبي في أنه اتخذ من الرواية خندقاً وقناعاً، وأنه يوزع روحه في جسوم كثيرة.

ويضيف السريحي: «لجأ القصيبي في كتابته للرواية إلى السخرية من باب النقد والتأثير، فقد وظَّف السخرية أسلوباً لفضح الواقع المراد نقده. كما في رواية (سبعة) وفيها يسخر من البيروقراطية التي تنخر في الجسد الإداري، وفي (شقة الحرية) يسخر من شعارات جيل الخمسينات والستينات، وفي (العصفورية) يسخر من أزمة القيادة في العالم العربي».

حائط في مهرجان «كتارا» يتحدث عن مؤلفات الأديب السعودي غازي القصيبي (الشرق الأوسط)

بدوره، تناول الدكتور محمد الصفراني ظاهرة تحول القصيبي من الشعر إلى الرواية، مقدماً ورقة بعنوان: «الشعراوية… بحث في المحاقلة بين فنَّي الشعر والرواية»، وعرَّف المحاقلة بأنها عملية نقل مفاهيم حقل علمي إلى حقل آخر واستثمارها في تحليله.

لاحظ الدكتور الصفراني أن القصيبي كان يحمل سخطاً عارماً من المدينة بوصفها كتلة خرسانية تتغول على حساب الإنسان بصفته إنساناً. يبدو ذلك في شعره مثلاً، حين انتقل من الحياة في الهفوف بالأحساء شرقي السعودية، إلى المنامة في البحرين، وحين أُرسل للدراسة في القاهرة حيث حدثت له صدمة.

ولاحظ الصفراني أن القصيبي ذمّ المدينة وليس «المدنية»، وهو رغم نفوره من المدينة سعى لإنشاء مدينتين صناعيتين في السعودية هما: الجبيل الصناعية وينبع الصناعية. وتساءل الصفراني: «هل كان هذا الكائن الشعري الذي أنشأ مدينتين بهذه المواصفات يحمل تناقضات في شخصيته؟»، مضيفاً: «ليس هناك تناقض، ولكن ديدن هذه الشخصية أنها تعي دورها، وتفصل بين الذات الشاعرة، والدور المنوط بها».

وقال الصفراني إن القصيبي عانى من بعض التصنيفات التي طالته في الوسط الثقافي، كونه يمثل شخصية متحررة وعلمانية، لكن الكثير لا يعلمون أنه ارتبط بعلاقة وثيقة مع مفتي عام المملكة، وكان يواظب على زيارته، وفي نزعته الإنسانية، كان يحوّل رواتبه إلى جمعيه المعاقين.

في عام 1996 أصدر القصيبي ديوانه «سحيم»، وهو يسترجع أسطورة (سُحيم) عبد بني الحسحاس، الذي قتلته قبيلته حرقاً بالنار، لتغزُّله في نساء العشيرة. ويلاحظ الدكتور الصفراني أن ديوان «سحيم» الذي لا تزيد صفحاته على 92 صفحة يقترب فيه من الكتابة الروائية، كأن القارئ يقرأ من خلاله رواية تقترب من قصة العبد سحيم وتحاكي معاناته، في صورة أخرى لانحياز القصيبي إلى المهمشين.

وضمن فعاليات مهرجان «كتارا» للرواية العربية أُعلن عن مبادرة «الرواية تجمعنا»، وستكون أولى أعمالها لهذا العام إطلاق مشاريع للتعاون في مجال كتابة الرواية بين كتاب سعوديين وقطريين، وذلك بمناسبة الاحتفاء بالرواية السعودية كـ«ضيف شرف» الدورة الحالية للجائزة، واختيار الأديب والدبلوماسي الراحل غازي القصيبي «شخصية العام».

وقال خالد عبد الرحيم السيد، مدير إدارة الفعاليات والشؤون الثقافية في «كتارا» والمشرف العام على جائزة «كتارا» للرواية العربية، أن مشروع «الرواية تجمعنا»، يأتي ضمن حزمة من المشاريع والمبادرات التي تستقبل بها الجائزة عقدها الثاني.

وأوضح أن المشروع يقوم على مشاركة روائي قطري مع مجموعة من الروائيين العرب، بهدف تجربة العمل الجماعي في السرد، والاستفادة من تلاقح الأفكار في خلق رواية تجسد رؤى وخيالات متعددة، مضيفاً أن بداية هذا المشروع ستجمع روائياً قطرياً بروائي سعودي في تقديم تجربة إبداعية مشتركة.

Exit mobile version