هل لاحظتم في الآونة الأخيرة أن اسم ألبانيا أصبح متداولاً بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل لاحظتم أن التركيز يدور حول جمال شواطئها التي تتم مقارنتها دائماً مع شواطئ جزر المالديف؟ إذا سألتم أنفسكم عن السبب فسوف أجاوبكم فيما يلي.
قررت الذهاب إلى ألبانيا لأنني سمعت كثيراً عن تلك البلاد التي كانت منسية، فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً، عاشت ألبانيا في عزلة شبه تامة خلال الحقبة الشيوعية، مما جعلها بلداً غامضاً بالنسبة لمعظم الناس. لم يكن الوصول إليها سهلاً، ولم تُعرف معالمها الطبيعية والتاريخية إلا في نطاق ضيّق. لكن هذه العزلة، وعلى الرغم من قسوتها، ساعدت في الحفاظ على نقاء طبيعتها وبساطة مدنها ودفء ثقافتها بعيداً عن التغييرات الجذرية التي شهدتها دول أوروبا الأخرى. واليوم، بعدما فتحت أبوابها للعالم، تقف ألبانيا بوصفها وجهة سياحية فريدة تجمع بين الشواطئ البكر على الريفييرا الألبانية، والجبال الشاهقة في الشمال، والمدن التاريخية المدرجة على قائمة «اليونيسكو». إنها بلد لم يكتشفه الكثيرون بعدُ، مما يمنح زائرها شعوراً خاصاً بأنه يسير في أرض لم تُمسّ كثيراً بأثر السياحة الجماعية.
الجنوب الألباني الملقب بمالديف البلقان (الشرق الأوسط)
بدأت الرحلة من لندن واستغرقت ساعتين ونصف الساعة لتحط الطائرة في مطار العاصمة تيرانا التي بدأنا منها جولتنا التي أخذتنا إلى جنوب البلاد، السيارة في ألبانيا مهمة جداً، فيمكن استئجار سيارة أو التنقل بواسطة تاكسي، وهناك أيضاً حافلات تنقل السياح من وسط العاصمة إلى أرجاء البلاد كافة، ولكن أنصح بتأجير سيارة لأن هذه الطريقة تمنحك حرية أكبر في التنقل من مدينة إلى أخرى لأن المسافات طويلة (نحو ساعتين بين مدينة وأخرى).
«سانت نيكولاس» يقع على الشاطئ مباشرة (الشرق الأوسط)
قبل أن أتكلم عن السياحة في ألبانيا وأهم معالمها لا بد من ذكر لمحة سريعة عنها أولاً، فهي تُعد واحدة من أجمل دول البلقان وأكثرها تنوعاً، بلد صغير من حيث الجغرافيا لكنه كبير بعراقته وتاريخه. عاشت ألبانيا قروناً طويلة تحت حكم الإغريق والرومان والعثمانيين، مما ترك بصمات ثقافية وحضارية فريدة ما زالت شاهدة في قلاعها العتيقة ومدنها الحجرية. وبعد أن ظلت لسنوات بعيدة عن أنظار السياحة العالمية، بدأت مؤخراً تفتح أبوابها لزوار يبحثون عن الأصالة والطبيعة البكر بعيداً عن صخب الوجهات المزدحمة. إنها وجهة تستحق أن تُكتشف اليوم قبل الغد.
فطور ألباني مطعم بالنكهة اليونانية (الشرق الأوسط)
تقع ألبانيا في شبه جزيرة البلقان بجنوب شرقي أوروبا، وتطل على البحر الأدرياتيكي والبحر الأيوني، وثقافتها تجمع بين الطابع الأوروبي والشرقي، والإقبال الشديد عليها حاليا لأنها لا تزال رخيصة بالمقارنة مع الدول القريبة منها، مثل اليونان ومونتينيغرو، كما أن معظم عناوين الإقامة فيها جديدة لأن الاستثمارات الأجنبية فيها جارية على قدم وساق لا سيما في العاصمة والمناطق الجنوبية، خصوصاً أن ألبانيا مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبدأت مفاوضات الانضمام رسمياً في يوليو (تموز) 2022، ومن المنتظر أيضا افتتاح مطار «فلوري» الدولي في الجنوب الذي سيسهل السفر إليها بشكل كبير؛ لأن الوصول إلى مدن الجنوب انطلاقاً من العاصمة يستغرق ثلاث ساعات ونصف الساعة بالسيارة، وبافتتاح المطار الجديد العام المقبل سيكون من السهل جداً الوصول إلى أشهر مناطق الجنوب خلال ساعة فقط.
بيوت قديمة تستعد لانفتاح ألبانيا السياحي (الشرق الأوسط)
ميزة الجنوب الألباني أنه يجمع بين الشواطئ الساحرة على الريفيرا الألبانية والقرى الجبلية القديمة. وجهتنا كانت هيمارا Himara أو Himare تصل إليها عبر الطريق السريع، وتصعد إلى أعلى الجبال قبل النزول إلى الساحل. فكانت هيمارا مركز الإقامة، ومنها توجهنا في كل يوم إلى منطقة مجاورة لنعود إليها في المساء، أردنا عنواناً للإقامة على الشاطئ مباشرة، فكان فندق «سانت نيكولاس» Saint Nicolas الجديد، الذي فتح أبوابه منذ أقل من ثلاثة أشهر، الخيار الأنسب نسبة لموقعه. غرفه جميلة وواسعة وفيه مركز للياقة وسبا، والفندق مطل على الممشى بمحاذاة الشاطئ مباشرة، كما يضم سطحاً جميلاً مع بركة سباحة خاصة، ومطعماً يقدم فيه الإفطار يومياً في أجواء جميلة ومريحة جداً، وهو حاصل على تقييم خمس نجوم على موقع «تريب أدفايزر». العاملون فيه يتكلمون الإنجليزية بطلاقة، وملمون بالمعلومات التي تهم السائح الذي يزور ألبانيا للمرة الأولى. ولمحبي المأكولات الالبانية واليونانية ، يقدم الفندق في مطعم «كافيه هيماري 23» التابع له ألذ الاطباق المحلية والاسماك، ويعتبر من أقدم مطاعم المنطقة.
كزاميل المدينة الساحلية المعروفة بروعة شواطئها في ألبانيا (الشرق الأوسط)
هيمارا (Himara) أو «هيماري» فيها تشعر بأنك في اليونان، فهي قريبة جداً من جزيرة كورفو، والغالبية فيها من أصول يونانية ويحمل أهلها الجنسية اليونانية، كما أن طابعها يوناني والمطاعم تحمل أسماء يونانية، وتقدم المأكولات الإغريقية، وتتمتع بشواطئ جميلة جداً وممشى تنتشر فيه المطاعم والألعاب، فهذه الوجهة مناسبة جداً للعائلات والأطفال، وهناك شواطئ عامة وأخرى خاصة تابعة للفنادق، فيها شواطئ صخرية وأخرى رملية ذهبية، وفيها أيضاً كثير من الأماكن التاريخية التي يجب زيارتها. من أجمل الشواطئ فيها شاطئ «برادو»، حيث يمكنك دفع مبلغ نحو 30 يورو للشخص الواحد إذا كنت تفضل السباحة في نوع من الخصوصية والتمتع بالراحة والاستجمام في جلسة مريحة. ومن الشواطئ الجميلة الأخرى في هيمارا (Spile Beach) وشاطئ ليفادي (Livadhi Beach)… المياه صافية بلون تركوازي ومناسبة للسباحة والرياضات المائية وزيارة الكهوف القريبة.
بيوت قديمة تم تحويلها إلى وحدات فندقية (الشرق الأوسط)
عندما تزور هيمارا لا بد من الذهاب إلى قلعة هيمارا (Himara Castle)التي تقع على تلة تطل على البحر والمدينة، تعود أصولها إلى العصور القديمة (الإغريقية والرومانية)، وتم تطويرها خلال العهد البيزنطي والعثماني. بداخلها منازل حجرية قديمة وكنيسة أرثودوكسية صغيرة تاريخية، لا تزال الرسومات الأصلية موجودة على جدرانها وسقفها.
أجمل إطلالة على شواطئ ديرمي (الشرق الأوسط)
نوصي بقراءة: كيف تساوم حين لا يكون هناك سعر محدد؟
وعند زيارة القلعة لا بد من تذوق عصير الليمون الطبيعي في المقهى الواقع عند أعلى نقطة تشرف عليه سيدة ألبانية عرفت عن نفسها باسم «فراشة» قائلة: «اسمي ألباني ويعني فراشة»، تقوم بتحضير الحلوى والمشروبات بنفسها بمساعدة ابنها وابنتها، وتعيش في المنزل الواقع فوق المقهى. الشعب الألباني مضياف جداً وكريم أيضاً. ولكن تذكر أن غالبية الأماكن لا تقبل الدفع ببطاقات الائتمان، فالسيولة المادية مهمة جداً (العملة المحلية هي الليك، وتقبل عملات أخرى مثل الجنيه الإسترليني والدولار واليورو). الجميل في قلعة هيمارا أنها تقع بين البيوت القديمة التي لا تزال مسكونة، كما أن كثيراً من أصحابها يقومون بتأجير غرف للسياح على طريقة «إير بي آند بي».
بركة سباحة محفورة في بطن الجبل المطل على الساحل الألباني (الشرق الأوسط)
السباحة والغوص والجولات في القوارب والمشي الجبلي «هايكينغ» وزيارة المواقع الأثرية، والاستمتاع بالمأكولات الألبانية خاصة المأكولات البحرية، من أهم الأشياء التي يمكنك القيام بها في هيمارا.
ومن هيمارا وعلى بُعد 40 دقيقة بالسيارة تصل إلى منطقة ديرمي Dhermi الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي لألبانيا وتحديداً ما بين مدينتي فلورا وساراندا. تشتهر بشواطئها الرملية والحصى البيضاء التي تعانق مياهاً بلورية صافية، وميزة هذه المنطقة أنها أشبه بقرية يونانية أو متوسطية، بيوتها مكسوة بالقرميد الأحمر، وأجمل ما يمكنك زيارته فيها منتجع «زوي هورا» Zoe Hora ويعرف أيضاً باسم «القرية»، قام أصحابه بشراء قرية كاملة بجميع بيوتها شبه المهدمة، وقاموا بترميمها ليصبح كل بيت منها وحدة فندقية منفصلة، ويسمح لغير النزلاء بزيارتها وتمضية اليوم فيها لقاء مبلغ 30 يورو للشخص الواحد يخولك السباحة في البركة الخاصة، أو المشي بين أزقتها مجاناً، وتناول الغداء أو العشاء في واحد من مطاعمها، وهناك جلسة رائعة لمحبي مشاهدة الشمس وقت المغيب، إضافة إلى مركز صحي سبا يضم أهم المعدات وأكثرها عصرية.
كزاميل الشهيرة بشواطئها الرملية البيضاء وزرقة مياهها (الشرق الأوسط)
وتشتهر ديرمي أيضاً بممشاها الطويل الذي تصطف على جنبه الفنادق والمقاهي والمطاعم، وتعد من أكثر المناطق زحمة فترة الليل، وهي وجهة الشباب ومحبي الموسيقى، خصوصاً في موسم الصيف، حيث تقام الحفلات الموسيقية على الشاطئ، ويشارك فيها فنانون من ألبانيا وغيرها.
مقهى «فراشة» أعلى قلعة هيمارا (الشرق الأوسط)
من الزيارات الجميلة أيضاً في القسم الجنوبي من البلاد:
مدينة ساراندا (Saranda) التي تبعد نحو نصف ساعة بالقارب عن جزيرة كورفو اليونانية (هذه الطريقة الأسرع للوصول إلى جنوب ألبانيا)، وتبعد نحو ساعتين بالسيارة عن هيمارا.
إنها مدينة ساحلية مطلة على البحر الأيوني، وتشتهر بشواطئها النقية، مثل «ميرور بيتش»، و«مونليز بيتش». وفيها قلعة «ليكوريسي» التي تقدم إطلالة بانورامية على المدينة والبحر.
منظر الغروب في ديرمي (الشرق الأوسط)
إذا كان الغرض من زيارتك السباحة والشاطئ فقط، فقد تكون كزاميل (Ksamil) هي أفضل خيار؛ لأنها تتمتع بأجمل شواطئ ألبانيا، وتمتاز بجزر صغيرة يمكن الوصول إليها بالقوارب أو حتى السباحة، إذا كنت من أرباب «تيك توك»، و«إنستغرام» فلا بد أنك شاهدت أفلاماً قصيرة تبرز جمال وروعة شواطئها بلونها التركوازي ورمالها البيضاء، ومنها استمدت اسم «مالديف البلقان».
قرى قديمة تم تجديدها (الشرق الأوسط)
إذا كنت من عشاق التاريخ فلا بد من وضع مدينة جيروكاستر ((Gjirokastër على جدول زيارتك، فهذه المدينة المعروفة باسم «مدينة الحجر» نسبة لبيوتها الحجرية القديمة، تضم قلعة ضخمة مطلة على الوادي وهي مدرجة ضمن مواقع التراث العالمي لـ«اليونيسكو».
ويمكن أيضاً زيارة النبع الطبيعي المعروف باسم «العين الزرقاء» (Blue Eye)هذا الموقع هو عبارة عن نبع طبيعي عميق جداً يتميز بلون أزرق ساحر، ومحاط بغابات خضراء، وهو وجهة شهيرة لمحبي التصوير والطبيعة.
