واجه «البند 15» في اتفاق وقف إطلاق في غزة، المعني بتشكيل «قوات استقرار دولية»، محطات على مدار شهر من الغموض والنقاشات، وصولاً لطرحه المحتمل للتصويت بمجلس الأمن كمشروع قرار أميركي، وترقب لمصيره الأخير والورقة التي ستلوح بها واشنطن حال رفعت روسيا والصين «الفيتو» في وجهها.
وبينما لم يحدد مجلس الأمن موعداً لجلسة التصويت، حتى مساء الخميس، تتحدث واشنطن عن «تقدم جيد» بالمناقشات الثنائية قبل الحسم، وسط مطالبات مصرية بأهمية التوافق بشأن وجود تلك القوات في قطاع غزة، التي لا ترغب إسرائيل في أن تُقرّ أممياً وتحبذ أن تكون متعددة الجنسيات من دون مشاركة تركية في ظل خلافات بينهما متصاعدة منذ حرب غزة قبل نحو عامين.
ذلك المشهد الغامض مصيره – حسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» – ينتظر 3 سيناريوهات: إما نجاح تفاهمات أميركية وتمرير القرار بمجلس الأمن، أو رفع روسيا أو الصين «الفيتو» في وجه واشنطن حال تعثر ذلك التوافق، وهو ما يدفع لسيناريو ثالث وهو مضي واشنطن في الدفع بقوات متعددة الجنسيات، وهو خيار يحمل مخاطر الصدام مع فصائل فلسطينية، وقد يهدد «اتفاق غزة» الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وقال مصدر أميركي قريب من دوائر صنع القرار لـ«الشرق الأوسط»، الخميس، إن «المناقشات بشأن (القوة الدولية في غزة) دخلت مرحلة حساسة ومعقدة من الناحية التقنية، وفي إطار الأمم المتحدة، جرى تداول الكثير من المسودات والمقترحات غير الرسمية بين أعضاء مجلس الأمن الرئيسيين والجهات المعنية الإقليمية، ولم يحصل أي نص منها على قبول عالمي حتى الآن».
وفي أحدث فصول السجال بشأن تلك القوات، برز حديث أميركي متفائل وسط مخاوف ومطالب عربية وإسلامية، وقال وزير الخارجية، ماركو روبيو للصحافيين: «أميركا تتحدث مع دول مختلفة (…) نشعر بالتفاؤل، أعتقد أننا نحرز تقدماً جيداً في صياغة القرار، ونأمل بأن نتخذ إجراءً بشأنه قريباً جداً (…) إنه أمر حاسم»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس.
وطالبت تركيا التي تعترض إسرائيل علناً على مشاركتها بتلك القوات، بضمانات، وقالت وزارة الدفاع التركية في إحاطة إعلامية، الخميس، إن أهم ما تتوقعه أنقرة من قوة تثبيت الاستقرار الدولية بغزة هو أن «تقدم ضمانات باستمرار وقف إطلاق النار الهش»، وفق ما نقلته «رويترز».
تلك الرسالة التركية التي تأتي في وقت حاسم بمناقشات مشروع القرار الذي قُدّم قبل نحو أسبوع، تأتي غداة تشديد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي بأنقرة على أنه بحث مع نظيره التركي، هاكان فيدان، «ضرورة أن يكون لحفظ السلام (قوات مراقبة) وليس فرضه (قوة تنفيذية)، وأن يكون قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع، وصياغته بدقة وعناية بما يراعي حقوق الشعب الفلسطيني في المستقبل».
طفل يجلس وسط أنقاض منزل دمَّره القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
والثلاثاء، تحدث عبد العاطي، في تصريحات صحافية، عن وجود ملاحظات من دول عدة على مشروع قرار في مجلس الأمن بشأن نشر قوات دولية في قطاع غزة، معرباً عن أمله في الوصول إلى «صياغات توافقية لا تمس الثوابت الفلسطينية»، وذلك غداة إعلان أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، في كلمة بملتقى أبوظبي الاستراتيجي أن بلاده «قد لا تشارك في قوة الاستقرار في قطاع غزة».
تلك المخاوف كانت تتفق مع ما طُرِح مسبقاً عقب الاتفاق عندما تحدث خبراء في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» CSIS، وهو مركز أبحاث مقره في واشنطن، بشأن أن «إنشاء قوة استقرار دولية من شركاء عرب وعالميين يواجه عقبات كبيرة. ما لم يكن هناك دعم واضح من العناصر الفلسطينية على الأرض بما في ذلك (حماس)، التي تعارض الفكرة، فمن الصعب تصور أي قوات عربية مستعدة للانتشار على الأرض».
قد يهمك أيضًا: بالقانون.. التنازل عن ترخيص المحال العامة جائز بشروط
وبرأي الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، فإن مشروع القرار يواجه مشكلة رئيسية متعلقة بمهام القوات المحتملة، وهل هي قوات مراقبة لحفظ السلام أم قوات تنفيذية لفرض السلام ونزع سلاح «حماس»، وبالتالي لا حل لهذه الأزمة لدى واشنطن إلا بموافقة الحركة الفلسطينية والذهاب لرؤية القرار.
وترى الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، أن «التحدي الرئيسي يكمن في التوفيق بين الرؤى المتباينة حول تكوين القوة وتفويضها وجدولها الزمني»، معتقدة أن «احتمال تشكيل قوة مدعومة دولياً أصبح أقل افتراضية» وأن نجاح القرار غير مؤكد.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن واشنطن لو استطاعت الحصول على موافقة فلسطينية على مشروعها بعد تفاهمات وتطمينات، قد نرى صدور مشروع القرار قريباً وإلا «الفيتو» الروسي أو الصيني سيظهر، مشيراً إلى أن «الفيتو» لن يمنع واشنطن من الدفع بقوات ولو متعددة الجنسيات، وهذا مصدر ثقتها في أنها ستنشر القوات لا محالة، وأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سوف يستكمل خطته.
فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دُمّر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
وكان ترمب أعلن في تصريحات سابقة هذا الشهر، أن «قوة الاستقرار الدولية» المزمع نشرها في قطاع غزة ستبدأ عملها على الأرض «قريباً جداً»، وذلك بعد حديث مسؤول أميركي لـ«رويترز» في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي أن واشنطن ستشارك مشروع قرار بشأنها مع الأعضاء العشرة المنتخبين بمجلس الأمن الدولي.
ويحتاج القرار في مجلس الأمن إلى تسعة أصوات مؤيدة على الأقل، وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حق النقض (الفيتو) ليتسنى اعتماده.
ويبدو أن مشروع القرار الذي نقله موقع «أكسيوس» قبل ذلك الإعلان الأميركي تجاوَب مع بعض مطالب إسرائيل؛ إذ يتضمن أن تكون القوة الأمنية الدولية «قوة تنفيذية وليست قوة لحفظ السلام»، وأن تسهم في «استقرار البيئة الأمنية في غزة من خلال ضمان عملية نزع السلاح من قطاع غزة، بما في ذلك تدمير ومنع إعادة بناء البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بالإضافة إلى نزع أسلحة الجماعات المسلحة غير الحكومية بشكل دائم».
وتعتقد تسوكرمان أنه رغم التفاؤل الأميركي، فإن «النتيجة الأكثر ترجيحاً هي تشكيل قوة متعددة الجنسيات تعمل خارج إطار الأمم المتحدة التقليدي لحفظ السلام، مع تأييدها أو تنسيقها مع الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية».
ويرجح فرج أن التأخير الأميركي في طرح مشروع القرار رغم تفاؤلها مرتبط بتخوفات عربية وروسية وصينية، ومساعٍ أميركية للتنسيق المسبق، متوقعاً سيناريوهين الأول الذهاب قريباً لجلسة تصويت بعد توافقات بشأن القرار أو «فيتو» روسي أو صيني سيواجه واشنطن. ويعتقد فرج أن الذهاب لنشر قوات متعددة الجنسيات حال فشل مشروع القرار بمجلس الأمن سيكون خطأ كبيراً، خاصة وهو يعارض المطالب العربية وقد يزيد الصدامات مع الفلسطينيين ويهدّد «اتفاق غزة».
وحال كان السيناريو الذي ستذهب له واشنطن قوات متعددة الجنسيات دون أي غطاء أممي، يتوقع الرقب أن المشاركة العربية لن تكون حاضرة بها، خاصة وهي تفتقر لتوافق وستدخل في صدامات بشأن نزع السلاح مع «حماس» والمقاومة، وبالتالي تهدد «اتفاق غزة» بالأساس.
